مقالات

محمود الحضرى يكتب: تفائلوا..زيادات 29 يونيو ليست الأخيرة

 

نام أهل مصر يوم الأربعاء الماضي على تصريحات من مسؤولين على أن البلد بأمان، والأسعار تخضع للسيطرة، وأن فكرة زيادة اسعار أي نوع من السلع والخدمات أمر غير وارد ولم يحدد بعد، وأذاعت الإذاعات وقنوات التلفزيون الرسمية نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط الناطقة باسم الدولة، نفيا قاطعاً لأي قرارات بشأن زيادة أسعار المحروقات، والسلع الغذائية والخدمات والكهرباء والمياه.

إلا أنني شخصياً وطوال أكثر من 35 عاماً في العمل الصحفي لا أصدق كل الحكومات، وأقسم أنها كاذبة على طول الخط، ولا أصدق أي كلمة تقولها إلى أن أتأكد من دقة وصحة ما تقوله بنفسي، ولا أريد أن أعدد الوقائع على مدى سنوات عملت فيها في صحف ومجلات ووسائل إعلام ليس في مصر وحدها، بل في دول عديدة.

ويكفي أن أشير هنا إلى ما جرى قبل وبعد 3 نوفمبر 2016، فقد نقلت على صفحات “المشهد” قبل عامين عن مصادر أثق في كلامها أن الحكومة عازمة على تنفيذ برنامج للتخلص من الدعم، وتحرير أسعار الخدمات والوصول بالدعم إلى النظام النقدي، ورفع أسعار الكهرباء ومشتقات البترول لتصل إلى الأسعار العالمية، وذلك باتفاق مع صندوق النقد، ونفس الكلام نشر بعد ذلك في وكالات أنباء وصحف، لتخرج الحكومة على لسان وزرائها لتنفي ذلك.

وقتها قلت لا، المعلومات صحيحة وستتم، وإن أجلتها الحكومة بعض الوقت، إلى أن جاء التنفيذ في 3 نوفمبر، ووقتها تم نشر معلومات أخرى عن برنامج لرفع الأسعار ستتم مرحلتها الثانية في أول العام المالي 2017 – 2018، أي من 1 يوليو الحالي، وسربت الحكومة معلومات تنفي فيها أي زيادات أخرى.

إلا أن الكذب لا يدوم، طويلا، فكذب الحكومة أصبح جزء من مكوناتها وكيمياء تعيش في شرايينها، وادعت قبل أسابيع أنها تسعى إلى دعم قدرات موظفي الدولة المصرية، من خلال زيادات بالأجور بعلاوات لمختلف شرائح الموظفين، إلا أنهني قلت وكنت على يقين أن الهدف الخفي هو التهيئة لقرارات صعبة ضمن برنامج الإصلاح الإقتصادي والإجراءات الإصلاحية الجديدة خلال المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الإقتصادي، والذي بدأ الدخول مع بداية العام المالي 2017 – 2018 من أول يوليو المقبل.

ولم يتوقف الكذب عند هذا الحد فعشية عيد الفطر المبارك، خرج رئيس الدولة معلناً سبع قرارات، هللت لها وسائل الإعلام، ونصب “الصحفجية” حلقات زار للتمجيد والمدح في القرارات التي اعتبروها أنها صدرت من نظام مهموم بهذا الشعب والفقراء، وأنها “عيدية” الرئاسة للشعب في عيدهم، وعندما حذر البعض من أن هذه القرارات تمهيد لشئ ما قادم، واستعداداً لتنفيذ روشتة الصندوق في جزئها الثاني، نفى الوزراء ذلك وأن القرارات تستهدف تحسين الأوضاع الإقتصادية لأفراد الشعب.

وقبل بدء السنة المالية الجديدة بـ 40 ساعة بالتمام والكمال، ومستغلة يوم الإجازة الرسمية يوم “الخميس” والذي أقره رئيس الوزراء بديلاً ليوم الجمعة الموافق 30 يونيو، في قرار شبه متعمد ومُخطط له، تقوم الحكومة بمفاجأة 92 مليون مصري بقرار ينكد عليهم حياتهم، لتعلن حزمة من القرارات برفع أسعار مشتقات البترول والغاز الطبيعي واسطوانات الغاز، بخلاف أسعار الكهرباء والمياه، بخلاف الزيادات المتربتة على تطبيق المرحلة الثانية من ضريبة القيمة المضافة من أول يوليو 2017 لترتفع من 13% إلى 14%.

وإذا كانت الحكومة في نيتها معتزمة على زيادة الأسعار، ولديها برنامج محدد سلفاً ومُتفق عليه مع صندوق النقد، لماذ تصر على الكذب المستمر، والنفي لأي زيادات بالأسعار، وعلى اعتبار أن الشعب تعود على ذلك وجسمه “نحس” من كثرة “الضرب”، أليس من الأفضل أن تكون واضحة وصادقة مع أفراد هذا الشعب، وتعلن بوضوح أن هناك برنامجاً مُتفق عليه مع صندوق النقد يقتضي زيادات مجدولة لأسعار السلع والخدمات لإلغاء كافة اشكال الدعم.

ولاشك أن من الكذب أيضا أن يخرج رئيس الوزراء ويقول أن لا زيادة هذا الشهر في أسعار الكهرباء، بل سيتم في أغسطس، بينما الحقيقة أن الزيادة على فواتير شهر يوليو 2017 “الجاري” وسيتم التحصيل في أغسطس المقبل، بل أن الكذبة الكبرى هي أن يخرج رئيس الوزراء ويقول أن الشعب راض ومتقبل الزيادات، وأنها في صالح الفقراء!.

أليس من الأفضل أن تعترف الحكومة وتعلنها على الملأ أن هناك زيادات جديدة قادمة على أسعار الطاقة ومختلف السلع والخدمات، ضمن برنامج لرفع الدعم عن الطاقة على 5 سنوات،  وأن زيادة 29 يونيو لن تكون الأخيرة.

 

error: Alert: Content is protected !!